الفصل 2: رموز البوابة
كان صباحًا مغربيًا مشرقًا، والشمس تلقي بأشعتها الدافئة على ساحات الجامعة، حيث يتناثر الطلاب كأسراب الطيور، يحملون دفاترهم وأحاديثهم وأحلامهم. كان الجو مليئًا بالحياة، بأصوات الضحكات، هدير السيارات، وحركة الأقدام السريعة. لكن وسط هذا الصخب، كانت هناك زوايا أكثر هدوءًا، حيث تُحاك الأسرار.
عند أحد الممرات الجانبية، وقف ثلاثة طلاب يتحدثون بهمس. انعكاس الشمس على وجه "أسماء" أظهر ملامحها الجدية، وشعرها البني القصير يلتف حول وجهها كإطار فني. عيناها العميقتان كانتا مليئتين بحيرة غامضة. إلى جانبها، كان خالد، بجسده الطويل وشعره البني الفوضوي الذي ينسجم مع مظهره كعقل دائم الانشغال. أما حميد، فكان يقف متكئًا على الجدار، يده في جيبه وابتسامة صغيرة تزين وجهه، تعكس مزيجًا من الحماسة والتهكم.
"ما الحل برأيكم؟" قالت أسماء بصوت خافت، وهي تشبك ذراعيها أمام صدرها. "إذا كان اختراق البوابة مستحيلاً بالجسم الأثيري، فما الذي يمكننا فعله؟"
رفع خالد رأسه ببطء، عينيه تبدوان كأنهما تحاولان اختراق الحجاب الذي يغطي الحقيقة.
"الرموز... هي المفتاح. يجب أن نفك شيفرتها. ربما تكشف لنا الطريقة لفتح البوابة."
حميد ضحك بخفة، وهو يميل بجسده نحو خالد.
"لكن هل فكرتَ، خالد، أو فكرتِ أنتِ يا أسماء، في ما قد يكون خلف البوابة؟ وما نوع القوة التي صنعتها؟"
توقف الجميع للحظة. بدا أن السؤال حمل ثقلًا أكبر مما كان متوقعًا. عينا أسماء اتسعتا قليلًا، وكأنها تحاول استيعاب الاحتمالات، بينما خالد عقد حاجبيه، وعيناه تلمعان بحذر.
"ما وراء البوابة؟" قال خالد بصوت منخفض، كأنه يخاطب نفسه. "شيءٌ أكبر منا... وربما أكبر حتى من قدرتنا على الفهم. لكن لا أحد يعلم... ولهذا علينا أن نعرف."
قبل أن يتمكنوا من الغوص أكثر في أفكارهم، قاطعهم صوت صارم من داخل الفصل.
"خالد! أسماء! حميد! إلى الداخل فورًا!"
كان الأستاذ واقفًا عند الباب، عبوسًا، بنظرة نافذة كالسيف. تنهد خالد، وألقى نظرة أخيرة على زميليه قبل أن يتجهوا جميعًا نحو الفصل.
بينما كانوا يدخلون، لاحظ خالد شابًا نحيفًا يتحرك باتجاه الباب نفسه. كان يوسف، بشعره الأسود المتدلّي على عينيه الباهتتين، وملامحه التي تخفي أكثر مما تكشف. كان دائمًا يلتزم بالظلال، كأنه يخشى أن يلاحظه أحد. لكن تلك العادة لم تكن تنقذه من أعين المتنمرين.
قبل أن يدخل، اعترض طريقه عمر، الطالب المشاغب ذو العضلات المفتولة والضحكة الساخرة التي تملأ وجهه. دفعه عمر بقوة، ليسقط يوسف على الأرض وسط نظرات الجميع.
"أوه، انظروا إلى هذا الفأر!" قال عمر ساخرًا، وضحك معه أصدقاؤه.
أسماء التفتت بسرعة، وعيناها تقدحان بالغضب. همّت بالكلام، لكن خالد أمسك بذراعها برفق، يهز رأسه كأنه يقول: "ليس الآن."
حميد، الذي كان يراقب المشهد، تمتم بخفوت:
"دائمًا يوسف... كأنه ولد ليكون ضحية. لو كنت مكانه، لقلبت الطاولة على هؤلاء الحمقى."
في تلك اللحظة، رفع يوسف رأسه ببطء، وملأت عينيه نظرة صامتة لكنها مليئة بحقد دفين. التقت عيناه بعيني "سارة"، التي كانت جالسة في مقعدها الأمامي. سارة، بشعرها العسلي الطويل الذي ينساب كالحرير، وعينيها الخضراوين اللتين تحملان دائمًا شفقة غير معلنة، حولت نظرتها سريعًا بعيدًا، وكأنها تخشى أن يظن يوسف أنها تشفق عليه.
"يوسف! انهض فورًا! كفى هذا العبث!" صوت الأستاذ قطع اللحظة، ليعيد الجميع إلى واقعهم.
نهض يوسف بصمت، نظراته خافتة، وعاد إلى مكانه المعتاد في مؤخرة الفصل. جلس وحيدًا، بينما الضحكات والتعليقات الساخرة من عمر وأصدقائه كانت لا تزال تلاحقه كظلال ثقيلة. قبضتا يديه كانتا مشدودتين بقوة، لكنه لم ينطق بشيء.
بينما الأستاذ يتحدث عن موضوع علمي، كانت عينا يوسف مثبتتين على دفتره، لكنه لم يكن يكتب. ذهنه كان مشغولًا بالكلمات التي سمعها صباحًا: "الجسم الأثيري... الرموز... البوابة." كانت تلك الكلمات كأصداء تتردد في عقله بلا توقف.
"الجسم الأثيري..." تمتم لنفسه بصوت خافت، كأن عقله يحاول الإمساك بطرف الخيط.
في نهاية اليوم، وبعد أن غادر الجامعة، سار يوسف ببطء نحو منزله. شقته الصغيرة كانت مكانه الوحيد للهروب من العالم. جلس أمام حاسوبه المهترئ، يحدق في الشاشة البيضاء قبل أن يكتب كلمات البحث:
"الجسم الأثيري... الرموز... العوالم الخفية."
الفصل 3: في الظلال ما وراء الطبيعة .
في منزل مهجور وسط ظلام دامس لا يخترقه سوى وهج خافت من مصباح متذبذب، كان رجل ضخم البنية يقف بجانب طاولة خشبية متهالكة وجهه القاسي مليء بالندوب، وعيناه غارقتان في ظلال الشر، تعكسان ظلاما أعمق مما حوله كانت ضحكته المدوية تكسر صمت المكان ضحكة مشوبة بالجنون والرغبة العمياء في الأذى.
على الطاولة أمامه، كانت أدوات حادة مرتبة بعناية مريبة، مشرط، سكاكين بأحجام مختلفة ومطارق صغيرة اختار واحدة منها ببطء، أصابعه تتلمسها كما لو أنها كنز ثمين، والتقطها وهو يتجه نحو طفل صغير مربوط بإحكام إلى طاولة خشبية أخرى.
عينا الطفل كانتا ممتلئتين بالدموع والخوف جسده يرتجف من الرعب، لكن صراخه كان قد انطفأ منذ فترة، ربما من الخوف أو اليأس. حين اقترب الرجل منه، رفع المشرط بهدوء
مستمتعا بلحظة الرعب الأخيرة التي تتشبث بها الضحية.
لكن ما حدث بعد ذلك كان غير متوقع.
في اللحظة التي لامس فيها الرجل الطفل، تجمد فجأة يداه بدأت ترتعش جسده الضخم بدأ في الترنح بعنف، وكأنه يواجه عاصفة داخلية لا يقدر على السيطرة عليها. عينيه اتسعتا وصرخ بشدة كما لو أن شيئا يمزقه من الداخل. سقط على الأرض، وبدأ في التلوي بعنف بينما الأشياء من حوله بدأت تتطاير وكأن إعصارًا صغيرًا اجتاح الغرفة.
الطفل ظل ينظر إلى المشهد بعينين متسعتين بالرعب، لكنه لم يستطع الفهم. كل ما كان واضحًا هو أن شيئا خارقا يحدث أمامه.
قبل 20 دقيقة ....
في زاوية مظلمة بجانب مبنى مهجور، ظهرت ثلاثة أشكال غريبة، أشبه بالظلال المتوهجة. كانت أشكالهم شبه شفافة بلون أزرق باهت يتماوج كما لو كانوا مصنوعين من طاقة أو ضوء. كانوا بلا شعر، رؤوسهم صلعاء تماما ووجوههم بلا تعابير واضحة، أشبه بالرهبان الذين نحتت ملامحهم من حجر صلب.
كانت أجسادهم تحلق ببطء فوق الأرض، غير مرتبطة بالجاذبية، وحركاتهم هادئة لكنها
تحمل غموضا يثير الدهشة. أحدهم كان يحمل بندقية ضخمة ذات تصميم غير مألوف الآخر يحمل سوطا طاقيا يلتف حول أصابعه كالأفعى، بينما الثالث كان يمسك بسيف رقيق تصميمه أشبه بشعاع طاقة حاد.
الأول : "اكبحوا رغباتكم وطاقتكم.... كي لا يشعر بوجودنا."
كان صوته يأتي وكأنه صدى عميقًا ومهينا الآخران أوماً برؤوسهما، وانطلقوا ببطء نحو المنزل، يتسللون دون أن يثيروا الانتباه.
حين دخلوا المبنى المهجور، كانت أعينهم تراقب المكان بحذر الجو كان مشبعا برائحة العفن والخوف، وكل شيء حولهم بدا كأنه يحمل بصمة الشر. عندما وصلوا إلى الغرفة الرئيسية وجدوا الرجل الضخم واقفًا بجانب الطفل، وعلى رقبته كان هناك كيان مظلم، جسم أثيري ملتف حوله كالأفعى، له قرون ملتوية وعيون تتوهج بالشر.
الثاني بصوت خافت: انظروا ... إنه الشيطان."
الأول: "هيا، لننهي هذا الأمر."
في لحظة خاطفة، انطلق صاحب السوط أولاً. سوطه الطاقي التوى حول عنق الشيطان وسحبه بقوة للوراء، مما جعل الرجل الضخم يترنح ويتوقف. قبل أن يتمكن الشيطان من المقاومة، أطلق صاحب البندقية طلقة من سلاحه الطاقي، ارتطمت بجسد الشيطان وأسقطته على الأرض.
لكن الشيطان لم يستسلم في لحظة دفعهم بقوة طاقية هائلة، وقفز نحوهم بوحشية يهاجمهم الواحد تلو الآخر. أمسك بالبندقية، وكاد أن يفجر رأس صاحبها، لكن في اللحظة الأخيرة، اخترق السيف الأثيري ظهر الشيطان، محدثا شعاعًا قويًا من الطاقة التي مزقت جسده.
ظهور شقوق في كل جسم الشيطان ونور يخرج منها وصوت انفجار خافت ملأ المكان، والجسم الأثيري للشيطان بدأ يتلاشى، تاركا وراءه فراغا مظلفا وصرخات الشيطان.
صاحب السيف (بهدوء): لقد مات بسرعة، هذا الشيطان كان ضعيفا...هيا نذهب."
وقف الثلاثة بثبات يتبادلون نظرات مختصرة قبل أن يتلاشى حضورهم تدريجيا تركوا وراءهم طفلا مذهولا، ورجلا ملقى على الأرض، جسده لم يتحرك بعد، وكأن الحياة انسحبت منه.
اصبح المكان هادئا مرة أخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
الموسوعة العامة تحتوي على كل ما يهمك من عمل أو تحميل للأفلام أو أخبار... مجانا