الفصل الاول من رواية ما وراء الحجاب

 

مقدمة

منذ الأزل، والإنسان يسعى لفهم وجوده. ولد في عالم مادي يحكمه الزمن والمكان، فتشبّث بالمحسوس، وسعى لتطويع المادة لخدمته، يبني القوانين، ويخلق الأدوات التي تحسّن حياته. لكنه، رغم هذا الانغماس في تفاصيل الواقع، لا يكفّ عن التساؤل. أسئلة تنبع من أعماقه، كصدى يهمس في صمت الليل:

من أين أتينا؟ ما الذي يجعلنا ما نحن عليه؟

هل نحن أكثر من أجساد مادية تسير على الأرض؟ ولماذا تشيخ الأجساد وتموت؟

كيف فقد البشر قدرتهم على العيش لأعمار طويلة؟

وماذا يحدث لنا عندما تموت هذه الأجساد؟

تأمل في النوم، ذلك اللغز الذي نحياه كل ليلة. لماذا نحتاجه؟ رغم أننا نأكل ونشرب ونرتاح، إلا أن أجسادنا تُنهك، وتُطالبنا بالاستسلام. هل النوم مجرّد حاجة بيولوجية، أم أنه شيء أعمق؟

النوم الوحيد الذي يشحن طاقتنا من جديد لنشعر بطاقة وحيوية للحياة من جديد

الطاقة؟ اجل ما هي هذه الطاقة؟

تحدثت الحضارات القديمة عن طاقة غير مرئية تسري في أجسادنا. طاقة تُستهلك وتُعاد شحنها أثناء النوم. طاقة توجد في كل شيء من حولنا، الهواء، الماء، النبات، الحيوانات. لكن هذه الحظارات التي كانت تعرف هذا جيدا، لم تكن ترى النوم وحده كمصدر للتجدد، لقد اتقنت التحكم فيها وصقلتها. في الصين القديمة، ومصر الفرعونية، وحتى في الحضارات الغامضة التي طُمِست آثارها، وصلو لأسرار الطاقة واستغلوها ليصلو لما لم تسمع به من قبل لقد طمس جزء كبير من التاريخ القديم لأن القوة يريدونها لهم وحدهم.

الفصل 1: النهاية التي تفتح ابواب من الغموض

في أعماق الجبال المهيبة، حيث يبدو العالم متوقفًا عن التنفس، يقف معبد قديم مخفيًا بين الصخور والضباب. المعبد لم يكن مكانًا عاديًا؛ كانت جدرانه تحكي قصصًا، نقوشًا غريبة محفورة بأيدٍ مجهولة منذ قرون، وكأنها رسائل مرسلة من عصور لم يعشها أحد. هنا، في هذا المكان الذي تتشابك فيه الحياة بالمجهول، كانت الغرفة الأعمق تحمل سرًّا لم يُكشف قط.

في تلك الغرفة، جلس "غوتاما بودا" على منصة حجرية منخفضة، وكأنه تمثال منحوت من الزمن نفسه. كانت عيناه مغمضتين، وجسده النحيل محاطًا بهالة من السكون المطلق. الغرفة مضاءة بوهج خافت لنيران صغيرة، تتراقص ظلالها على الجدران المزينة برموز لم يفك شفرتها أحد.

وقف أمامه تلميذان، شابان بسيطان يرتديان أردية ناصعة كأنهما مرآة لنقاء روحي يعكس حياة مليئة بالتأمل والخدمة. عيونهما، رغم النقاء، تحمل بريقًا من الفضول الذي لم ينطفئ أبدًا. كانا يراقبانه بصمت، وكأنهما يخشيان أن تنكسر اللحظة إذا تحدثا.

فتح بودا عينيه ببطء. كانت نظراته عميقة، كأنما تحمل ذاكرة الكون ذاته. التلاميذ لم يحركا ساكنًا، لكنه شعر باضطرابهما. قال بصوتٍ عميق، كأنه يخرج من قلب الجبال ذاتها:

"اقترب الوقت... النهاية ليست إلا بداية أخرى."

كلماته ارتطمت بجدران الغرفة، وانعكس صداها في عقول التلميذين. لم يفهما تمامًا ما يعنيه، لكنهما شعرا بثقل اللحظة.

استدار بودا بنظره إلى النافذة الوحيدة في الغرفة، حيث كان القمر مكتملًا في السماء. ضوءه ينساب عبر النافذة مثل لحن قديم يعزف على أوتار الزمن. قال وهو ينظر إلى البعيد:

"هناك عالم خلف هذا العالم... بوابة لا تُفتح بالأيدي، ولا تُرى بالعين. إنها حيث تختبئ الحقائق التي يخشاها الجميع."

تردد التلاميذ للحظة، ثم تجرأ أحدهما وسأل بصوت خافت:

"أي عالم تقصد يا سيدي؟"

ابتسم بودا برفق، لكنها لم تكن ابتسامة تحمل إجابة، بل لغزًا آخر. أغلق عينيه مجددًا، وبدأ يردد كلمات غريبة بلغة لم يسمعها التلاميذ من قبل. كانت كلماته وكأنها مفتاح يدور في قفل قديم، "سِج بَت نچِر كَت. أوسير نچِر مَع عَنخ."

فجأة، تغير الجو في الغرفة. الهواء أصبح أثقل، مشبعًا بطاقة لم يعهدها التلاميذ من قبل. النيران المشتعلة اهتزت وكأنها على وشك الانطفاء، وأصدرت الجدران همسات خافتة، كأن الأحجار بدأت تروي حكاياتها.

في تلك اللحظة، رأى بودا شيئًا. لم يكن مجرد رؤية، بل تجربة. وقف على صخرة في عالم بلا حدود، حوله فراغ لا نهائي، وتحت قدميه نقوش مضيئة تتغير بأشكال لا يمكن فهمها. أمامه بوابة، عتيقة وضخمة، كانت مغلقة لكن تنبعث منها حياة غريبة. حاول أن يخطو نحوها، لكن شيئًا منعه، قوة لا مرئية سحبته للخلف.

عاد بودا إلى الغرفة، فتح عينيه ببطء، وعيناه تحملان نظرة لا يمكن تفسيرها. "ليس دوري أن أعبر. ولكن... سيأتي من يستطيع."

ثم أخذ نفسًا عميقًا، ونظر إلى التلميذين نظرة أخيرة، كأنه يودع العالم بأكمله. جلس في وضعية التأمل، وأغمض عينيه للمرة الأخيرة.

مرت لحظات من الصمت، قبل أن يلاحظ التلميذان أن جسده قد أصبح ساكنًا تمامًا. بودا، الذي كان ذات يوم ينبض بالحكمة والحياة، غادر هذا العالم بهدوء يشبه السكون الذي يسبق العاصفة.

في الخارج، الرياح تهب بلطف على الجبال، وكأنها تنقل معها أسرار الغرفة العميقة. في السماء، القمر ينظر بصمت، كأنه شاهد على وعد لم يتحقق بعد.

التلميذان وقفا في حيرة. أحدهما همس للآخر:

"ماذا كان يقصد بالعالم الآخر؟ وبالبوابة؟"

الآخر هز رأسه. "لا أعلم... لكني أشعر أننا شهدنا شيئًا لن يُنسى أبدًا."


 الثاني والثالث






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الموسوعة العامة تحتوي على كل ما يهمك من عمل أو تحميل للأفلام أو أخبار... مجانا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.