الفصل 9 و10 و11 و12 و13 من رواية ما وراء الحجاب

 

الفصل 9. اختطاف الاثير

كان صباحًا هادئًا في منزل يوسف، حيث جلست العائلة حول المائدة لتناول الفطور. والدته وضعت صحنًا أمامه وهي تنظر إليه بابتسامة قلقة بسبب الكدمة التي ما زالت واضحة على خده. بدأ يوسف يأكل بصمت، محاولًا تجاهل الأسئلة غير المطروحة التي يقرأها في عيون والدته وأخته. فجأة، توقف، قبضته ارتخت، ومال جسده للأمام ليسقط على الأرض بلا حراك.

صرخت والدته بفزع:

يوسف! ماذا حدث؟! استيقظ يا بني!

ركضت نحوه وهي تحاول إفاقته، بينما أصيبت أخته بالذعر وبدأت بالصراخ. أسرع الجيران بعد سماع الصراخ، وتم الاتصال بسيارة الإسعاف التي وصلت على الفور.

في المستشفى، حُمِل يوسف على نقالة إلى غرفة الطوارئ، وبدأ الأطباء بفحصه. جلسوا والدته في الخارج، وهي تمسك بيد ابنتها، تحاول تهدئتها وهي بالكاد تستطيع السيطرة على دموعها. بعد وقت قصير، خرج الطبيب وأخبرها:

سيدتي، كل الفحوصات التي أجريناها حتى الآن تُظهر أن جسده في حالة طبيعية تمامًا، ضغطه، نبضاته، تنفسه، كل شيء يبدو طبيعيًا. لكن هناك نشاطًا غير معتاد في إحدى مناطق دماغه، تحديدًا في منطقة القشرة الجدارية (parietal cortex). هذا النشاط قد يكون مؤشرًا على حالة خاصة، لكننا بحاجة إلى فحوصات إضافية للتأكد.

حاولت والدته استيعاب الكلمات، لكنها لم تجد سوى القلق ينهش قلبها. سألته:

هل سيفيق قريبًا؟ هل حالته خطيرة؟

لا نستطيع أن نقول أي شيء مؤكد الآن، لكن لا داعي للقلق المفرط، سنبذل كل ما في وسعنا لفهم حالته. هناك بعض الأسباب التي قد تؤدي إلى هذه الحالة، مثل نوبات صرع غير ظاهرة، أو حالات نادرة من التشنجات النفسية. لكننا بحاجة إلى وقت أطول للتشخيص.

وضعوه في العناية المركزة تحت المراقبة، في انتظار أن تستقر حالته.

قبل ثلاث ساعات...

في اللحظة التي سقط فيها يوسف، كان جسده الأثيري يُسحب بالقوة إلى مكان بعيد. شعر كأنه ينفصل عن جسده دون إرادته، وحاول المقاومة لكنه لم يستطع. كان هناك طوق طاقيا غريب مثبت على رأسه الأثيري، يُصدر طاقة قوية تقيده بالكامل. رأى أمامه أحد الرهبان، ملامحه غامضة وعيناه قاسيتان، يسحبه عبر عوالم غريبة بسرعة هائلة.

وصلوا إلى المعبد القديم المهيب في جبال الهملايا. أدخل الراهب يوسف إلى غرفة مظلمة، حبال من الطاقة تربطه بإحكام إلى مكانه. كان كل شيء من حوله مظلمًا إلا وهجًا خافتًا ينبعث من جدران مغطاة بنقوش غامضة. يوسف، وهو يحاول فك قيوده، شعر بالخوف والارتباك:

ما الذي يحدث؟ من أنتم؟ لماذا أنا هنا؟

خرج من الظلام شخص ذو هالة مهيبة، كان طويلًا، قوي البنية، وعيناه تتألقان كأنهما تخترقان روحه. وقف الرجل أمام يوسف بثبات وقال، بصوت عربي ثقيل يحمل لكنة غريبة:

مرحبًا يا يوسف. كيف حالك؟

تردد يوسف للحظة، ثم قال بصوت متقطع:

من أنت؟ لماذا أنا هنا؟ ماذا تريدون مني؟

ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة تخفي الكثير من الغموض وقال:

لا تخف، فقط أجب على أسئلتي بصدق. إذا فعلت ذلك، سنعيدك إلى منزلك سالمًا.

حدق يوسف في الرجل، ورغم الخوف الذي يملأ قلبه، قال بتردد:

حسنًا... سأفعل.

كان يوسف لا يزال في حالة من الارتباك، ينظر إلى الراهب بعينيه وهو يحاول استيعاب كل ما يحدث.

الراهب: "يا يوسف، من علّمك الإسقاط النجمي؟"

يوسف: "تعلمت لوحدي... من الإنترنت."

الراهب: "وكيف عرفت مكان هذا المعبد؟ فقد أتيت إليه من قبل، وتبعك أحد رجالي."

يوسف: "لقد تبعت الحبل الأثيري للراهب الذي كان يراقبني."

الراهب: "إذن أنت لا تنتمي لأي جماعة أو تمارس الإسقاط النجمي مع أي أحد؟"

يوسف: "لا، أنا أمارسه وحدي. لماذا تسأل؟"

الراهب (بابتسامة خفيفة): "لا يهم. حسناً، سوف نتركك، لكن استمع جيداً: لا تثق في أحد. ولا تنضم لأي منظمة للإسقاط النجمي، فهذا قد يكون خطيراً على حياتك."

يوسف (بصوت متردد): "لماذا؟ من أنتم؟"

الراهب: "سوف تعرف كل شيء في وقته. لدي اقتراح لك: يمكنك أن تأتي إلى هنا وقتما شئت لتتدرب وتعرف أسرار الإسقاط النجمي، لكن بشرط... يجب أن تبقى كل ما تراه وتتعلّمه هنا سراً مطلقاً. لا تخبر أحداً بأي شيء."

يوسف نظر إلى الراهب وهو يحاول أن يقرأ ملامحه الغامضة، ثم قال:

يوسف: "وماذا لو رفضت؟"

الراهب (بهدوء): "لا تقلق، لن نؤذيك. لكنك ستفقد فرصة لمعرفة أشياء قد تغيّر حياتك للأبد."

أحس يوسف بثقل الكلام ووجد نفسه يجيب دون تفكير:

يوسف: "اتفقنا."

الراهب: "وعذراً على الطريقة التي جلبناك بها إلى هنا، لكن كان يجب أن أراك عن قرب. والآن، يمكنك الذهاب."

قام الراهب بفك القيود الأثيرية عنه وأشار له بالخروج. تحرر يوسف ونهض بتردد، متجهاً نحو النافذة. وقبل أن يخرج، توقف ونظر إلى الراهب:

يوسف: "غداً بعد الدراسة... سأعود."

الراهب ابتسم إيماءة بسيطة وقال: "سأكون بانتظارك."

قفز يوسف عبر النافذة الأثيرية وصعد إلى الأعلى بسرعة، ثم توقف لبرهة ونظر خلفه كأنه يود التأكد من شيء. بعدها عاد إلى جسده بسرعة مذهلة.

في المستشفى، كانت والدته تجلس بجانبه، عيناها مليئتان بالقلق والدموع. وفجأة، استيقظ يوسف بعنف وهو يلهث، مما جعلها تصرخ بفزع.

الأم (بصوت مرتجف): "يا إلهي! يوسف! هل أنت بخير؟!"

يوسف (وهو يمسك بكتفها): "أنا بخير، أمي. لا تخافي... أنا بخير."

احتضنته والدته بقوة، وهي تقول:

الأم: "لقد كنت خائفة جداً! ظننت أنني سأفقدك... ماذا حدث؟ ماذا تشعر؟"

يوسف (محاولاً تهدئتها): "لا شيء خطير، ربما كان انخفاضاً مفاجئاً في ضغط دمي. شعرت بدوار، لكنني بخير الآن."

كانت والدته لا تزال متوترة:

الأم: "لكن الطبيب قال إن كل فحوصاتك سليمة، ومع ذلك أغمي عليك بهذه الطريقة... لا أفهم!"

يوسف: "لا تقلقي، أمي. قد يكون مجرد تعب. شكراً لأنك كنتِ بجانبي."

في تلك اللحظة، دخل الطبيب إلى الغرفة:

الطبيب: "أهلاً يوسف، سعيد برؤيتك مستيقظاً. كيف تشعر الآن؟"

يوسف: "بخير، دكتور. لا أشعر بأي ألم أو مشكلة."

الطبيب: "جيد. كما قلت لوالدتك، جميع فحوصاتك طبيعية، لكن لاحظنا نشاطاً غير معتاد في منطقة معينة من دماغك. سنحتاج لبعض الفحوصات الإضافية فقط للاطمئنان."

الأم (بقلق): "هل تعني أن هناك شيئاً خطيراً؟"

الطبيب: "لا أعتقد ذلك، لكننا نريد أن نتأكد تماماً."

بعد ساعات من المتابعة، سُمح ليوسف بالعودة إلى المنزل. في طريق العودة، كانت والدته تراقبه باستمرار، تحاول قراءة تعابير وجهه.

الأم (بنبرة جادة): "يوسف، إذا كنت تشعر بشيء، أو إذا حدث شيء غريب، يجب أن تخبرني فوراً."

يوسف (مبتسماً): "لا تقلقي، أمي. أنا بخير. فقط أحتاج لبعض الراحة."

في المنزل، استلقى يوسف على سريره وهو يتأمل كل ما حدث. كان ذهنه مثقلاً بالأسئلة: من هم هؤلاء الرهبان؟ ولماذا أرادوا رؤيته؟ وكيف ستتغير حياته بعد هذه التجربة؟

وقبل أن ينام، همس لنفسه:

يوسف: "غداً... سأعرف المزيد."

الفصل 10: المكتبة المخفية

في قلب مدينة إيطالية قديمة وعريقة، حيث الأزقة الضيقة تشهد على عبق التاريخ وحكاياته الغامضة، كان المطر يهطل بغزارة، يطرق على حجارة الشوارع العتيقة كأنها موسيقى حزينة تحكي أسرار المدينة. كانت أنوار المصابيح المعلقة بالكاد تكشف الطريق، مما جعل الظلام يتسيد المشهد.

وسط هذه الأجواء، ظهرت شخصية مجهولة، معطفها الأسود الطويل يلتصق بجسدها بفعل المطر، وخطواتها ثابتة على الأرضية الحجرية المبللة. لم يظهر شيء من ملامح وجهها، سوى لمعة عينيها اللتين توحيان بهدوء خطير. اتجهت الشخصية نحو زقاق ضيق، حيث وقف باب خشبي قديم متهالك يبدو كأنه جزء من الجدار.

نظرت يمينًا ويسارًا، ثم وضعت يدها على الباب بحركة حاسمة. فجأة، انشق الباب كأنه لم يكن موجودًا، كاشفًا عن ممر مظلم يقود إلى الأسفل. نزلت السلالم الملتوية ببطء، والمصابيح على الجدران تضيء تلقائيًا كلما اقتربت منها، كأنها تستجيب لهالتها الغامضة.

وصلت الشخصية إلى قاعة هائلة تحت الأرض، مكتبة تبدو كأنها خارجة من أعماق الزمن. رفوف شاهقة مليئة بالكتب الجلدية العتيقة، كتب عن الطاقة، السحر، والخوارق. وسط هذا العالم الساحر، كان هناك هدوء مخيف، لا يكسره سوى صوت خطواتها.

اتجهت الشخصية إلى رف معين، وأخذت تبحث بتركيز بين الكتب المغبرة. عيناها تمسحان العناوين، وأصابعها تتنقل برشاقة حتى توقفت عند كتاب جلدي مهترئ، يحمل نقشًا غريبًا على غلافه. سحبته بحذر، كأنها تخشى أن ينهار بين يديها، ووضعت الحقيبة الجلدية التي كانت تحملها على الطاولة.

فتحت الكتاب ببطء، وتصفحت صفحاته المليئة بالرموز الغريبة والرسومات المذهلة. بدت ملامح وجهها المتخفية خلف الظل أكثر جدية مع كل صفحة تقرأها، حتى توقفت عند صفحة معينة. على الصفحة، كانت هناك صورة لشخص بجسده الأثيري، محاط بهالة غير عادية، هالة تبدو مدببة وكأنها أشواك من الطاقة تحيط بجسده، مختلفة تمامًا عن الهالات المستوية التي تحيط بالجسم الأثيري العادي. أسفل الرسم، كانت هناك كلمات مكتوبة بلغة منسية، فسرتها بصوت خافت:

"المفتاح ليس في المادة، بل في من يحمل هالة مدببة. هو الوحيد القادر على فتح البوابة."

بينما كانت غارقة في قراءة النصوص، انفتح الباب خلفها بصمت، ودخلت امرأة ترتدي عباءة داكنة. كانت عيناها بلون أخضر متوهج، وصوت خطواتها على الأرضية الحجرية ينذر بوجودها.

المرأة: "لقد تأخر الوقت. هل وجدت ما كنت تبحث عنه؟"

الشخصية الغامضة: (بهدوء) "نعم، وجدت الإجابة. المفتاح هو شخص... شخص مميز. لكنه ليس مثل الآخرين."

المرأة: (بفضول) "وما الذي يميزه؟"

الشخصية الغامضة: "هالته ليست مستوية، بل مدببة، كأنها أشواك تحيط به، طاقة غريبة هكذا تعرفون الشخص المختار. هو الوحيد الذي يستطيع فتح البوابة."

المرأة: "وهل عرفت مكانه ومكان البوابة؟"

الشخصية الغامضة: "لا، مكانه ما زال غامضًا. لكن البوابة لن تُفتح إلا إذا وجدناه. هذا الشخص هو المفتاح، وحنى البوابة ايضا ما زال موقعها غامضا، لكننا في الطريق الصحيح."

أغلقت الكتاب، ووضعته بحرص داخل الحقيبة الجلدية القديمة، ثم نظرت إلى المرأة قائلتاً بحزم:

"أخبري الحراس أن يبقوا مستعدين. القادم لن يكون سهلًا. إذا لم نجده قبلهم، فقد نفقد كل شيء."

غادر المكتبة بخطوات هادئة وواثقة، تاركًا وراءه هواءً ثقيلًا من الغموض والتوتر. المطر كان لا يزال يهطل بغزارة، لكنه لم يتردد للحظة، بل سار كأنه يعرف الطريق تمامًا.

الفصل 11: الاختفاء

الشمس كانت مشرقة في سماء المغرب، والهواء بارد ومنعش. أسماء، بابتسامتها المعتادة، ألقت نظرة سريعة على هاتفها قبل أن تضعه في جيبها. أرسلت رسالة صوتية لخالد وحميد، تخبرهم أنها قريبة وستلتقيهم أمام الجامعة خلال دقائق. كانت تسير بسرعة بين الأزقة القديمة المزدحمة، حيث المنازل المتهالكة تحكي قصصًا بلا كلمات.

فجأة، خرجت سيارة سوداء من شارع جانبي بسرعة غير عادية. توقفت أمامها بصوت إطارات صاخب جعل قلبها يقفز. قبل أن تدرك ما يجري، فتح الباب الخلفي للسيارة واندفع ثلاثة رجال بملابس سوداء وأقنعة تغطي وجوههم.

أسماء (بصوت مرتعش): "ماذا تريدون؟ من أنتم؟"

لكن لا إجابة.

أمسكوا بها بقوة، وألقوها داخل السيارة، التي انطلقت بسرعة واختفت في الأفق كأنها شبح. هاتفها المحمول سقط على الأرض، وتهشم بفعل عجلات السيارة.

أمام بوابة الجامعة، كان خالد وحميد ينتظران. خالد كان ينظر إلى الساعة في يده كل بضع دقائق، بينما كان حميد يحاول الاتصال بأسماء، لكن دون جدوى.

حميد: "غريب... أسماء تأخرت جدًا. ألم تقل إنها قريبة؟"

خالد (بانزعاج): "أجل. ربما تأخرت في الطريق. لكنها لا ترد على الهاتف الآن."

بعد جدل قصير، قررا الدخول إلى الجامعة على أمل أن تكون قد وصلت إلى الفصل دون أن يلاحظا. لكن أسماء لم تظهر طوال الحصة، مما جعل القلق يسيطر عليهما.

حميد (بعد نهاية الفصل): "لا يمكن أن ننتظر أكثر. لنذهب إلى منزلها ونتأكد أنها بخير."

خالد: "فكرة جيدة. دعنا نتحرك."

في منزل أسماء، استقبلتهم والدتها بابتسامة سرعان ما تلاشت عندما سألوها عنها.

والدة أسماء (بقلق): "لكنها خرجت منذ الصباح. قالت إنها ذاهبة إلى الجامعة... ماذا حدث؟"

حميد: "لم تحضر إلى الفصل، ولم نسمع منها شيئًا منذ آخر رسالة."

بدأت علامات القلق تزداد وضوحًا على وجه الأم، فاتصلت بأفراد العائلة والمعارف، لكن لا أحد كان لديه أي معلومات عنها. مرت الساعات ثقيلة ومليئة بالتوتر حتى التاسعة مساءً، عندما قررت الأم، برفقة خالد وحميد، الذهاب إلى مركز الشرطة للإبلاغ عن اختفائها.

تلك الليلة، جلس خالد وحميد في غرفتيهما، قلقين وعاجزين عن النوم. كانا يفكران في كل الاحتمالات، يحاولان إيجاد خيط يقودهما إلى صديقتهما المختفية. وفي لحظة اتفاق صامت، قررا الدخول إلى عالمهما الأثيري، العالم الذي طالما كان ملجأهما ومكانهما الخاص للبحث عن إجابات.

في أجسادهما الأثيرية، اجتمعا في مكان يعرفانه جيدًا: شاطئ وايتهافن في أستراليا، أحد أجمل السواحل في العالم، برماله البيضاء الناعمة ومياهه الفيروزية التي تعكس ضوء النجوم بشكل ساحر. كان هذا المكان رمزًا للراحة والحرية، مكانًا لطالما زاروه مع أسماء عندما كانوا يشعرون بالضيق أو يبحثون عن عزاء.

حميد (يتطلع حوله): "لطالما قالت أسماء إن هذا المكان يجعلها تشعر بالأمان. لو أنها هنا، فربما تكون قد لجأت إليه."

خالد (بتصميم): "لنبحث في كل زاوية. لو أنها هنا، سنجدها."

بدأ الاثنان يتنقلان بين الكثبان الرملية والشاطئ الهادئ، يناديان اسمها بأصواتهما الأثيرية التي ترتد كأصداء خافتة في الهواء. لكن المكان كان فارغًا، لا صوت سوى الأمواج التي تتكسر برفق على الشاطئ.

حميد (بإحباط): "لا أثر لها هنا. ماذا لو لم تعد قادرة على الدخول إلى هذا العالم؟"

خالد (بغموض): "أو ربما هي في مكان لا يمكننا الوصول إليه بعد..."

في مركز الشرطة، كانت والدة أسماء جالسة بين خالد وحميد، تنتظر بفارغ الصبر أي خبر عن ابنتها. كان المحقق يتحدث إليهم برفق:

المحقق: "سنبدأ البحث فورًا، لكننا نحتاج إلى تفاصيل دقيقة. متى كانت آخر مرة تحدثتم معها؟ هل لديها أعداء؟ مشاكل مع أحد؟"

والدة أسماء (بدموع): "لا... لا مشاكل. خرجت صباحًا كعادتها، ولم تعد."

بدأت الشرطة في جمع المعلومات وتحليل الأدلة، لكن خيوط القضية كانت قليلة جدًا. كان اختفاء أسماء يزداد غموضًا مع كل لحظة تمر، وداخل قلب خالد وحميد، كان هناك شعور غريب بأن الأمر ليس مجرد حادثة اختطاف عادية.

الفصل 12: الهالة المدببة

المكان: مقر الراهب الأكبر – جبال الهيمالايا

الليلة هادئة، والقمم الجليدية تتلألأ تحت ضوء القمر. داخل المعبد المهيب، في غرفة مظلمة ومهيبة، الراهب الأكبر يقف وسط هالة من الغموض. الغرفة مزينة برموز قديمة، والجدران مليئة برسومات غير مفهومة، مضاءة فقط بوميض شموع خافتة. أمام الراهب، تقف مجموعة من أتباعه في صمت، وكل واحد منهم يحمل نظرات يملؤها الترقب.

الراهب الأكبر (بصوت عميق):

"الهالة المدببة... لقد ظهرت. المختار أصبح في متناول أيدينا، لكنه لا يزال غافلًا. إنه أضعف من أن يفهم قدراته الآن، لكن الوقت يعمل لصالحنا."

يتحرك أحد الكهنة بخطوات حذرة، يتحدث بصوت خافت.

الكاهن:

"سيدي، هناك اضطرابات في العالم الأثيري. كيانات مجهولة تبحث عنه. يبدو أننا لسنا الوحيدين الذين نراقبه."

الراهب الأكبر (بهدوء حازم):

"أعرف ذلك. العالم الأثيري في صراع، والكل يسعى للوصول إلى المفتاح. لكننا سنكون الأسبق. جهزوا أنفسكم. الرحلة لن تكون سهلة، لكننا لا نستطيع الفشل. سيُفتح الباب، والمختار سيعرف طريقه."

المكان: منزل يوسف – منتصف الليل

يوسف مستلقٍ على سريره، جسده الفيزيائي ثابت، بينما في داخله يشتعل الفضول والخوف. يغمض عينيه، وينفصل جسده الأثيري، ليطفو في الهواء، خفيفًا كريشة. يتحرك داخل المنزل، يعبر الجدران، ثم ينطلق إلى الخارج.

بينما يتنقل بحرية عبر الأزقة، يسمع صوتًا قادمًا من بعيد. إنه صوت صراخ عالٍ، متقطع، وكأنه يخرج من أعماق الأرض.

يوسف (بهمس):

"ما هذا الصوت؟"

يتبع الصوت بسرعة، عابرًا المسافات، حتى يصل إلى أطراف غابة كثيفة، مظلمة. أمامه، تلوح قبة طاقية ضخمة تغطي جزءًا كبيرًا من الغابة. القبة تنبض بطاقة مظلمة، تشبه نبضات قلب، وتصدر توهجًا أسود خافتًا يتلاشى في الليل.

يوسف (مندهشًا):

"ما هذا المكان؟ ما نوع هذا الصوت الذي يخرج من الارض؟"

الصراخ يتصاعد من أعماق الأرض، كأنه قادم من تحت القبة. يحاول يوسف الاقتراب، لكن طاقة القبة ثقيلة، تضغط عليه بقوة، فيشعر بالاختناق. يقف عاجزًا، مترددًا بين الفضول والخوف.

يوسف (متراجعًا):

"لا، ليس الآن. لست مستعدًا لهذا."

يتراجع بسرعة، وينطلق نحو المعبد، متجهًا لغرفة المعلم.

المكان: معبد جبال الهيمالايا – غرفة التأمل

يدخل يوسف إلى المعبد من النافذة، متوترًا. الجو داخل المعبد هادئ بشكل غريب، كأن كل شيء فيه متجمد في الزمن. يسير نحو غرفة التأمل، حيث المعلم يجلس متربعًا، جسده الفيزيائي مغمور في تأمله العميق.

يوسف يتقدم ببطء، ينظر إلى المعلم الذي يبدو وكأنه لا ينتبه إليه. فجأة، يشعر بطاقة غريبة خلفه. يستدير بسرعة، ليجد جسد المعلم الأثيري يقف خلفه، ينظر إليه بابتسامة غامضة.

المعلم (بصوت أثيري ناعم):

"أنت سريع العودة، يوسف. يبدو أن رحلتك كانت ممتعة."

يوسف (متفاجئًا):

"لقد افزعتني؟ كنت انظر لك هناك!"

المعلم (بهدوء):

"والآن، هل أنت مستعد لتتعلم شيئًا جديدًا؟"

يوسف يهز رأسه بالإيجاب، دون أن ينطق بكلمة. يشير المعلم إلى يوسف ليتبعه. يرافقه إلى غرفة مليئة بالكتب القديمة. الرموز والنقوش تغطي كل الجدران، وطاولة خشبية قديمة تتوسط الغرفة.

المعلم:

"اللغة هي مفتاح العالم الأثيري. ولكي تتعلم، عليك أن تفهم."

يقترب المعلم الأثيري من يوسف، يضع يده على رأسه الأثيري. فجأة، يشعر يوسف بطاقة هائلة تتدفق إلى عقله. كلمات غريبة تبدأ بالتكون داخله، تصبح مفهومة بشكل غريب.

ثم ينطق المعلم هل تفهمني الان بلغته

يوسف (باندهاش):

"أنا... أفهمك الآن! كيف فعلت ذلك؟"

المعلم (بابتسامة منهكة):

"لقد نقلت إليك لغتنا. لكن هذا ليس شيئًا أفعله بسهولة. الطاقة التي فقدتها الآن كبيرة. هذه اللغة ستسمح لك بفهم الكتب هنا، لكنها لن تمنحك المعرفة فورًا. عليك أن تتعلم بنفسك، بالتجربة."

يوسف ينظر إلى الغرفة حوله، عينيه تملؤهما الدهشة والفضول. يعرف أن هذه البداية فقط، وأن الطريق أمامه مليء بالأسرار والمخاطر.

المعلم :

" لقد تم انشاء هذه المكتبة بطريقة جميلة، حيث ان ما تراه من كتب مادية عند محاولة اخراج الكتاب بجسدك الاثيري، سوف تخرج منه نسخة من الكتاب لكنه مصنوع كليا بالأثير. هذا من اجل ان يدرسه الشخص حتى ولم يكن حاضرا بجسده المادي وسوف يساعدك هذا."

الفصل 13: الغرفة المغلقة والمستقبل المجهول

كانت أسماء تستيقظ ببطء، تشعر بالضيق يخنقها قبل أن تفتح عينيها بالكامل. المكان الذي وجدت نفسها فيه كان غريبًا ومجهولًا. جدران رمادية من الأسمنت تحيط بها من كل جانب، لا نوافذ، لا أصوات. كأنها محبوسة في فراغ لا نهائي. الغرفة كانت خالية تقريبًا، باستثناء السرير الذي استلقت عليه، وطاولة صغيرة خالية من أي شيء.

أسماء (بصوت مرتعش):

"أين أنا؟ هل هناك أحد هنا؟"

صرخت بأعلى صوتها، طرقات عنيفة على الباب، لكن كل شيء بقي صامتًا. كأن الأصوات تُبتلع في العدم. شعرت بالعجز والخوف يتسللان إلى قلبها، لكنها لم تستسلم. ضربت الباب مرارًا بيديها وقدميها، بلا جدوى.

انهارت أخيرًا على السرير، أنفاسها تتلاحق. حدقت بالجدران، لتلاحظ للمرة الأولى رموزًا غريبة محفورة عليها. لم تكن تفهمها، لكنها شعرت بأنها تخفي شيئًا.

أسماء (بصوت داخلي):

"لابد أن هذه الرموز لها علاقة بكل هذا... لكن ماذا تعني؟"

بعد دقائق من السكون، أغلقت عينيها، تحاول تهدئة نفسها. فجأة، بدأت تشعر بتلك الطاقة الأثيرية تتدفق بداخلها. دون وعي، خرج جسدها الأثيري من جسدها الحقيقي، محاولة الهرب من هذا السجن الغامض.

لكنها توقفت فجأة، كأن حاجزًا غير مرئي يحيط بالغرفة. تلك الرموز على الجدران بدأت تتوهج بلون باهت، تمنعها من العبور. شعرت بطاقة غريبة تردعها، تعيدها إلى جسدها الحقيقي بقوة.

أسماء (بإحباط):

"ما هذه القوة؟ لماذا لا أستطيع الخروج؟!"

في المعبد القديم، كان يوسف جالسًا على طاولة خشبية قديمة، محاطًا بكتب ومخطوطات متناثرة. عيناه كانتا متسعتين، تتأملان النصوص بحماس واضح. أصابعه تتنقل بين صفحات الكتب القديمة، كأنه يبحث عن إجابة لأسئلة لا تنتهي.

كانت الغرفة مضاءة بضوء خافت ينبعث من شمعة بجانبه، بينما الأجواء هادئة، لا يُسمع فيها سوى صوت الورق المتهالك بين يديه.

مر أحد الرهبان بجسده الأثيري بالقرب من الغرفة. توقف للحظة، يتأمل يوسف من بعيد. نظرة عميقة علت وجهه، قبل أن يكمل طريقه عائدًا إلى جسده الحقيقي.

دخل الراهب إلى غرفة المعلم. كان الأخير جالسًا في وضع التأمل، جسده في حالة سكون كامل. لم يفتح عينيه، لكن حضوره كان طاغيًا.

الراهب (بصوت هادئ):

"سيدي، كنت مارًا قرب غرفة الدراسة... يوسف يبدو مميزًا. إنه غارق في التعلم، وكأنه يسعى لشيء أكبر مما نتصور."

المعلم (بنبرة هادئة):

"أعرف. شغفه هو ما يجعله مميزًا، لكنه أيضًا ما يجعله في خطر. المعرفة قوة، لكنها قد تصبح نقمة إن لم تُستخدم بحكمة."

الراهب:

"هل تعتقد أنه يمكن أن يصبح يومًا ما جزءًا من نضالنا ضد المنظمات؟"

المعلم (بابتسامة خفية):

"ليس فقط جزءًا. قد يكون المفتاح. قدراته ما زالت تنمو، وكلما تعمق في العالم الأثيري، كلما أصبح أقوى وأكثر وعيًا. دعوه يتعلم، لكن لا تتركوه وحده."

الراهب:

"سأخبره أن يأتي إليك عندما ينتهي من دراسته اليوم."

المعلم (بتأكيد):

"افعل ذلك. سيحتاج إلى توجيه قريبًا."

يوسف، ما زال في غرفته، يقلب صفحات أحد الكتب، يقرأ بشغف. عينيه كانتا مليئتين بالفضول، كأنهما تنظران إلى عوالم أخرى داخل النصوص...

في غرفته المظلمة، كان جسد يوسف مستلقيًا على السرير، مغطى ببطانية خفيفة. أنفاسه كانت هادئة، وكأن روحه ليست هنا. في الخارج، كانت والدته تقف عند الباب، تنادي عليه بصوت خافت.

الأم (تنادي بخفوت):

"يوسف... هل أنت بخير؟"

لم تأتها أي إجابة. شعرت بالقلق، وطرقت الباب عدة مرات.

الأم (تهمس):

"يوسف؟"

عندما لم يجبها، فتحت الباب بهدوء، لتجده مستلقيًا على سريره. بدا وجهه هادئًا كأنه غارق في نوم عميق، لكن هناك شيء ما في ملامحه جذب انتباهها.

اقتربت ببطء وجلست بجانبه على طرف السرير. تأملته لفترة، وكأنها تحاول قراءة شيء غير مرئي في ملامحه. رفعت الغطاء برفق وسحبته ليغطي جسده بالكامل، ثم وضعت يدها على جبينه.

الأم (بصوت داخلي):

"ما بك يا بني؟ لماذا تغيرت هكذا؟"

نهضت بهدوء، تراجعت إلى الوراء لتخرج من الغرفة. لكنها لم تستطع كبح شعور غريب يراودها، كأن هناك شيئًا غير طبيعي يحدث.

نزلت الأم ببطء على السلم، متجهة إلى غرفة المعيشة حيث كانت أخت يوسف، نهى، جالسة على الطاولة، تنهمك في الرسم. كان الضوء الخافت القادم من النافذة ينعكس على رسوماتها المليئة بالألوان.

نهى (بفضول):

"أمي، ماذا يفعل يوسف؟ لم أره اليوم."

الأم (بابتسامة خفيفة تخفي قلقها):

"إنه نائم الآن. يحتاج إلى الراحة."

توقفت نهى عن الرسم للحظة، ورفعت عينيها الصغيرة نحو والدتها.

نهى (ببراءة):

"لماذا ينام كثيرًا؟ يوسف لم يعد كما كان. كان يلعب معي دائمًا، لكن الآن... بالكاد أراه. اشتقت إليه."

جلست الأم بجانب ابنتها، تأملتها بحنان. وضعت يدها على شعر نهى، تربت عليه برفق.

الأم (بصوت مطمئن):

"لا تقلقي، حبيبتي. يوسف يمر بمرحلة... ربما يشعر بالإرهاق أو لديه شيء يشغل باله. لكنه يحبك كثيرًا، وسيعود للعب معك قريبًا."

ابتسمت نهى بخجل، لكنها لم تكن مقتنعة تمامًا.

الأم (تفكير داخلي):

"يوسف... ماذا يحدث معك؟ هل هناك ما تخفيه عني؟"


تتمة الاسبوع القادم ترقبونا يوم الاحد بنشر الفصول القادمة لو اردتمونا ان نكمل قومو بوضع تعليق برغبتكم بالمزيد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الموسوعة العامة تحتوي على كل ما يهمك من عمل أو تحميل للأفلام أو أخبار... مجانا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.